نتمنى ألا تنطبق على بلادنا سنن الدول التي خضعت لحكم العسكر”

أحد, 13/07/2025 - 18:41

حين كتب جواهر لال نهرو من سجنه رسائله الشهيرة إلى ابنته إنديرا، لم يكن يصف الهند فقط، بل كان يسرد حقائق كونية عن مصير البلدان التي خضعت للأنظمة العسكرية. قال بثقة المثقف المجرب إن أي بلد تحكمه المؤسسة العسكرية، حتمًا سينهار اقتصاديًا ويتردى أخلاقيًا، لأن الانحطاط القيمي يفضي إلى شيوع الخزي والنذالة، فتصبح الحياة بلا معنى.

ذلك كان قبل أن تتغول حضارة العقل على الروح، وتُفرغ الإنسان من معناه حتى صار جوفه خاليًا، لا يملؤه إلا التراب بعد الموت. وإذا كان هذا توصيفًا عامًا، فإن الوضع في بلادنا أشد تعقيدًا. نحن مجتمع بدوي الطابع، لم تكتمل بعد شروط اندماجه في المدينة الحديثة، واضطُر إلى التمدن قسرًا بفعل التصحر والتغيرات المناخية، فوجد نفسه في فضاء حضري لا يُحسن التعامل مع قيمه، فانحرف دون مناعة، وشاع بين طبقاته الاتجار بالممنوعات وغسيل الأموال.

إن أخطر ما نخشى اليوم هو أن نكون خسرنا، لا فقط فلسفة الحكم التي تُرسّخ الدولة كهوية جامعة، بل خسرنا ثقافة التسيير التي كانت تُميز بين المال العمومي والمال الخاص، وتبني نظام حكامة يخدم المواطن، لا الحاكم.

لقد تسبب انقلاب 1978 في كسر المسار الجمهوري الذي كان يعد بإدارة عصرية للدولة، فانحدرت منظومتنا التعليمية، وضاعت مشاريع التنمية، وتبددت الثروات، وتاهت البوصلة، حتى لم نعد نفرّق بين المقبول والمرفوض.

تاهت النخب السياسية بين التزلف والتكسب، فصارت تنافق العسكريين طمعًا في الفتات، وتلاشت من الساحة أي قوى مدنية تحمل رؤية إصلاحية مستقلة.

ورغم ذلك، فإن فينا بقية أمل، نتوجه بها إلى الرئيس محمد ولد الغزواني، الذي نوقظ فيه جانبه الصوفي، ذاك الذي نهل من بيئة روحية متسامحة، وعبر عنه في خطاب ترشحه سنة 2019، حيث خاطب فئات المجتمع المقهورة بعد أن سئمت ربع قرن من الخُطب والوعود الكاذبة، ومن ديمقراطية صُنعت على مقاس العسكر، واستُخدمت فيها الزعامات القبلية وهياكل “تهذيب الجماهير” للالتفاف على حلم الدولة المدنية.

إن استمرار هذا النهج، من تكريس للقبلية، وتسويق للمظالم، وتجارة بالدين، واحتكار للمناصب من قبل المحسوبين على النفوذ، سيقود حتمًا إلى انهيار السلم الأهلي، وهو انهيار لا يصمد أمامه أي نظام، مهما بلغت قوته، بل سيفتح الباب لتدخلات خارجية تُنهي ما بقي من استقلال القرار الوطني.

نخاطب الرئيس بضمير الحريص على البلاد: لا تترك كرسيك لمن ينتظرون مغادرتك لينقضّوا عليه كأنهم ورثوه. لا تُسلم البلاد لمن لا يرون فيها وطنًا، بل غنيمة.

فردة الفعل المنتظرة من هذا الشعب قد تكون جارفة، لا يصمد أمامها جدار، ولن ينفع معها ندم ولا ت

حمادي سيدي محمد آباتي